معهد الإعلام الأردنيّ - عمّان
قال الدكتور وليد عبد الحيّ، وهو الخبير في مجال الدّراسات المستقبليّة في العلوم السياسيّة، إنّ مؤشّرات قياس الحرّيّات الإعلاميّة هي إحدى أدوات القوّة الناعمة للدّول، وهي مؤشّر يُستدلّ منه على قدرة الدّولة على أن تكون بيئة جاذبة للاستثمارات والسيّاح والطلبة الأجانب.
وأضاف عبد الحيّ في لقاء مع طلبة معهد الإعلام الأردنيّ عبر "زووم"، أنّ نتائج مؤشّرات قياس الحرّيّات الإعلاميّة عادةً ما تُثير لغطاً حول مصداقيّة ما جاء فيها، إلّا أنّ توافق نتائج المؤشّرات التي تصدر عن جهات مختلفة حول العالم بنسبة تتجاوز 80% يُدلّل على مصداقيّتها بدرجة عالية.
واستعرض عبد الحيّ، الذي عمل مستشاراً للمجلس الأعلى للإعلام الأردنيً ومستشاراً لديوان المظالم وعضواً في مجلس أمناء المركز الوطنيّ لحقوق الإنسان، تفاصيل عددٍ من النماذج الأوروبيّة والأميركيّة والإفريقيّة والعربيّة والمحليّة لتقييم الحرّيات الإعلاميّة، ومنها منظّمة "بيت الحريّة" و"منظّمة مراسلون بلا حدود" و"مؤسّسة International Research and Exchange (IRX)" التّابعة للحكومة الأميركيّة و"الباروميتر الإعلامي الإفريقي"، إضافة إلى نموذج أعدّه المجلس الأعلى للإعلام في الأردنّ عام 2004.
وأوضح عبد الحيّ، الذي ألّف 37 كتاباً ونشر 138 دراسة في دوريّات علميّة محكّمة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة وأشرف على نحو 100 رسالة ماجستير ودكتوراة، أنّه بالرّغم من اختلاف بعض تفاصيل نماذج قياس الحريّات الإعلاميّة، مثل المؤشّرات الفرعيّة وطرق جمع المعلومات طريقة التقييم وعدد الدّول المشمولة بالبحث، إلّا أنّ نتائجها بما يخصّ الأردنّ لم تذكر مطلقاً أنّ الأردنّ "حرّ إعلاميّاً".
وأوضح عبد الحيّ أنّ نتائج الأردنّ تراوحت بين "غير حرّ" بما نسبته حوالي 60% من النماذج، و"حر نسبيّاً" في نحو 40% من نماذج قياس الحريّات الإعلاميّة، مُرجعاً ذلك إلى ممارسات عديدة منها تدخّل سلطة الدّولة وسلطة المجتمع في عمل الإعلام، بدرجات مُتفاوتة.
وحول أهميّة تحسين حالة الحريّات الإعلامية، قال عبد الحيّ إنّ دولاً كثيرة، بخاصّة في شمال أوروبا، تربط مساعداتها للدّول الأخرى بمدى الحريّات فيها، كما أنّ بعض الوكالات التّابعة للأمم المتّحدة تربط بين الحريّات السّياسيّة والاجتماعيّة، بما فيها حريّة تشكيل النقابات وممارسة أعمالها، وبين المساعدات وإرسال الخبرات والدّعوات لمؤتمرات عالميّة.
وتُشكّل تقارير الحريّات الإعلاميّة وسيلة ضغط على الدّول من حيث سمعتها كبيئة جاذبة للاستثمارات، فعادةّ ما يرتبط انخفاض ممارسة الحريّات السياسيّة بانخفاض الحريّات الاقتصاديّة وتفشّي الفساد، وهو ما يُنفّر المستثمرين، وفقاً لعبد الحيّ، الذي أضاف أنّ صورة البلد في أذهان النّاس تؤثّر على قرارهم باختيارها كوجهة سياحيّة، وتؤثّر أيضاً على طريقة تعامل الدّول مع بعضها.
وفنّد عبد الحيّ، الذي عمل في عددٍ من الجامعات والمؤسسات العربيّة في الخليج والمغرب العربيّ والمشرق العربيّ وترأس قسم العلوم السياسيّة في جامعة اليرموك وعمل عضواً في مجلس أمناء جامعتيّ الزيتونة وإربد، الادّعاء الذي يزعم أنّ الاضطرابات التي شهدتها عدد من الدّول العربيّة خلال فترة "الرّبيع العربيّ" كان مرتبطاً بمدى انتشار استخدام الإنترنت ووسائل التّواصل الاجتماعيّ في تلك الدّول، موضّحاً أنّ دراسة معمّقة أجراها على 20 دولة عربيّة أظهرت عدم وجود ارتباط بين هذين الأمرين.
ووضّح عبد الحيّ للطلبة أنّ الدّراسات المستقبلّية، التي تعرف أيضاً بالدراسات الاستشرافيّة، تضع جميع احتمالات ومؤشّرات الموضوع قيد الدّراسة، وتقيس احتمال كلٍ من هذه المؤشّرات، لكنّها غير معنيّة بقرار السلطات التنفيذيّة بما يخص اختيار الاحتمال المناسب، بينما يقوم التّخطيط الاستراتيجيّ، من جهة أخرى، على تحديد هدف ما وبحث أفضل احتمال يعزّز القدرة على تحقيق الهدف.
لكنّ نجاح الدراسات الاستشرافيّة يتطلّب توفّر المعلومات والوثائق الرّسميّة للباحث، وتوفّر الحريّة للباحث واطمئنان صانع القرار لرأي الباحث كخبير، مضيفاً أنّ "العلماء والخبراء في الوطن العربيّ أداة قوّة يجب استغلالها".