كلمة الأستاذة جمانة غنيمات في حفل تخريج الدفعة السادسة

Image: 
20 تشرين أول 2015
<div dir="rtl" style="text-align: justify;"><strong>صاحبة السمو الأميرة ريم العلي،<br /> الدكتور باسم الطويسي/ عميد معهد الإعلام الأردني،<br /> الأساتذة والحضور الكرام،<br /> الطلبة الخريجون،<br /> السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،</strong><br /> <br /> أيها الأعزاء.. إن مقام وداعكم من هذا المعهد، هو ذاته مقام استقبالكم على عتبة الحياة العملية؛ وهو ما يعني أن أحلامكم وأيامكم أمامكم، فلا ترتضوا بالأحلام والأهداف الصغيرة، بل اجتهدوا وقاتلوا من أجل تحقيق أحلامكم وطموحاتكم الكبرى<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> وتذكروا أن الحرية أثمن ما تملكون. فحرية التفكير وحرية الاعتقاد، كما حق التعبير وحق المعرفة، هي حقوق لا ينازعكم عليها أحد. ولهذا، لا تقبلوا أي شكل من أشكال الوصاية على عقولكم، ولا ترتضوا بأي شكل من أشكال التسلط على حريتكم وحقوقكم<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> واعلموا أنه لا حياد في الحياة ولا حياد في المواقف. فليس هناك من صحفي محايد، ولكن هناك موضوعية وأسس مهنية نتبعها، حتى لا تطغى ذاتيتنا على موضوعيتنا، وتبقى مهنيتنا هي معيار نجاحنا وتميزنا<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> اعلموا أنكم تخرجون من معهد علم وفكر ومنهج، الكل ينصت فيه لأستاذه، إلى عالم بلا أستاذ سوى ضمائركم الحية وقيمكم الفضلى؛ تواجهون بها أفكارا واعتقادات تتلاطم، اذ يسود اليوم القتل والإرهاب في منطقتنا التي صارت أشبه بمحرقة. ولهذا، فإن عالمنا بأمس الحاجة إليكم وإلى ما تعلمتم، لترفعوا مشاعلكم في هذا العالم البهيم المدلهم بالسواد. أشعلوا شموعا في الظلام، بدلا اللعن العبثي له ليل نهار<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> فما قيمة علمكم إن لم تنيروا الطريق؟ وما قيمة بحثكم إن لم تكشفوا مواطن الخلل ومكامن الفساد، وتقترحوا وتجترحوا ممكنات أفضل وحلولا مثلى لعالمنا؟<br /> <br /> واعلموا أن الوقت أثمن ما عنيتم بحفظه، وهو في الوقت ذاته أسهل ما يمكن أن يُضيّع! فلا تضيعوا وقتكم بما لا يفيدكم، ولا تستنزفوا عمركم على الهوامش في صغائر الأمور. فأنتم لم تعودوا مجرد جمهور في مسرح أو ملعب للكرة، ولا حتى بدائل تجلسون في مربعات الاحتياط؛ اليوم أنتم اللاعبون الأساسيون<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> لا تخسروا المعركة مع الوقت. وإن كان يُقال إن البقاء للأقوى، فإنني أقول إن البقاء للأقوى والأسرع، على أن يكون دائماً الأصلح والأصدق<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> وانظروا من حولكم إلى ثورة &quot;الإنفوميديا&quot;، وإلى ما بلغه الإعلام من تطورات، ولاسيما الإعلام الرقمي الذي تجاوز الإعلام الورقي بمسافات بعيدة، لكنه ما يزال يفتقر إلى القيمة والتفصيل والتركيز، وهو ما توفره الصحافة الورقية، وفق الدراسات<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> وما من شك في إدراككم أنكم تتركون مقاعد الدراسة، لتنخرطوا في معركة الحياة والعمل في لحظة تاريخية دقيقة يعيشها الإقليم والمنطقة، والأردن بينها جزيرة آمنة، تتلاطم على حدوده الأمواج<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> فالظرف السياسي والاقتصادي المعقد يلقي عليكم بمهمات جسام، تزيد من أهمية دور الإعلامي، بغض النظر عن الوسيلة التي يمارس مهنته من خلالها. وهو ما يجعل دور الإعلام المهني الموضوعي غاية في الأهمية، في وقت نعاني فيه من ضياع كثير من المعايير والقيم الأخلاقية التي تنظم عملنا<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> أن تكونوا في بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة، فما ذلك إلا مسؤوليات كبيرة وطنية وأخلاقية لخدمة مجتمعاتكم؛ بأن تكونوا صوتها الذي يحمل همومها واحتياجاتها، والمطالب بمزيد من الحريات الصحفية المهنية التي تراجعت خلال السنوات الماضية<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> دائما أقول، وبسبب تكاثر السلبيات في مهنتنا على قدسيتها: إن القابض على قلمه ليصونه حراً صادقاً، هو كالقابض على جمرة، بل وكثير جمار. وذلك لحجم التحديات والمغريات التي تحيق بنا وبكم. فحصنوا أنفسكم بإيمانكم أن الصحافة على تعبها، هي مهنة مقدسة، ذات دور عظيم<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> أخيرا، أود أن أقول إن الصحافة لا تتقاعد ولا تموت. ربما تمرض الوسيلة الصحفية أو تموت، لكن الصحفي الجيد لا يموت، والقلم الجيد ينبري دائما للمهام الجسام التي لا يستطيعها غيره<span dir="LTR">.</span><br /> <br /> ولأنني رئيسة تحرير صحيفة يومية، وعقب عقد ونصف العقد من العمل في الصحافة المكتوبة، أقول للإعلاميات تحديداً: إن هذه المهنة بالنسبة لكن أصعب وأكثر تعقيدا من زملائكم، ما يضع علينا كنساء عبئا أكبر، ومسؤولية مختلفة، وبذل مزيد من الجهد لتقديم نماذج ناجحة لإعلاميات أحدثن فرقا في مجتمعاتهن<span dir="LTR">. </span><br /> <br /> قبل أن اختم كلمتي وأتمنى أن لا اكونا اثقلت عليكم بخطاب طويل، اسمحوا لي أن تحدث قليلا عن تجربتي خلال السنوات الأربعة الماضية كأول سيدة تتسلم موقع رئيس تحرير لصحيفة يومية.<br /> <br /> صحيح أن تعييني في موقع رئيسة تحرير كان حدثا ومفاجئة للأوساط الإعلامية والسياسية، إذ لم تتبوأ امرأة مثل هذا الموقع من قبل، وبصراحة أكثر أظن أن ناشر الغد اتخذ قرارا شجاعا في حينه بتعيين سيدة لتقوم بهذه المهمة الصعبة.<br /> <br /> المفاجأة نبعت من أن المواقع القيادية التي تولتها الإعلاميات من قبل بالكاد موجودة، وطالما كانت إدارات الصحف تبقى المواقع القيادية حكرا على الرجال ربما لنظرة جندرية قاصرة كانت تؤمن ان النساء غير قادرات على اداء هذه المهمة.<br /> <br /> القصة بدأت منذ سنوات اليوم وبعد ثلاثة سنوات وأكثر من تسلمي موقع رئيسة تحرير لصحيفة الغد الناطقة بالعربية، يمكنني البوح أن التحدي كان كبيرا ولم يكن سهلا والمسؤولية كبيرة لآي شخص يتسلم إدارة تحرير جريدة يومية شاملة سواء رجل او امراة.<br /> <br /> هنا بدأ التحدي الأكبر، فالمطلوب إنتاج صحيفة مستقلة ومهنية وموضوعية، تعمل بسقف صحافي مرتفع من دون الخضوع لمختلف الضغوطات المتوقعة.<br /> &nbsp;<br /> بيد ان القصة كانت اكثر تعقيدا، لان وجودي في هذا الموقع كان امتحانا صعبا، ليس لي كجمانة، بل لكل النساء الاعلاميات، لان الحكم النهائي على تجربتي بدا مهما للزميلات الاخريات، كون فشل التجربة سيعني ان المراة غير قادرة على تولي مثل هذا الموقع، الذي يخبىء في تفاصيله عمل كبير ومسؤولية كبيرة.<br /> <br /> خلال هذه الفترة، ورغم الأعباء الإدارية التي لا نهاية لها، حافظت على مقالتي اليومية في الصحيفة، ورفعت من سقفها إلى الحد الأقصى الذي تسمح به مجمل الظروف المحيطة، مستفيدة من سلطة رئيس التحرير، إذ يحق لي ذلك ما دمت أنا صاحبة الولاية على الصحيفة، وأنا التي سوف تُسأل عن السقف في النهاية. وإذا كان هناك عقاب من نوع ما، فلن يُعاقب بـ&quot;جريرتي&quot; غيري.<br /> <br /> التحديات التي تواجه رئيسة التحرير السيدة لا تختلف كثيرا عن تلك التي يجابه بها الرجل، فتقديم منتج صحافي يحترم عقل القارىء، وفي ذات الوقت يحقق اهداف الغد كصحيفة لبيرالية اصلاحية تؤمن بالتعددية والاختلاف مسالة صعبة في دولة من دول العالم الثالث.<br /> <br /> فان نقدم منتجا صحفيا مهنيا متوازنا، وهنا كان التحدي الأعظم، وهو الالتزام بالمهنية الرفيعة وفي الوقت ذاته نعمل بسقف من الحريات الصحافية المحترم.<br /> <br /> النجاح وكسب احترام القارىء والقدرة على التاثير في الراي العام من الغد كوسيلة اعلام اردنية كان غاية وسعى فريق الغد على الاستجابة له وجعله واقعا يجسده طبعة ورقية نضعها كل يوم بين يدي القارىء تضم منتجا صحفيا يحترم عقل القارىء ويساهم بصناعة حاضر البلد ومستقبلة.<br /> <br /> منذ تسلمي دفّة القيادة في صحيفة الغد. مضت أشهر طويلة من الصراع على تحديد سقوف الكتابة. معارك عديدة خضناها أنا وزملائي مع قوى الشدّ العكسي، والتي لا تكون دائما ممثلة بالجهات الرسمية فقط، بل هي قوى مبثوثة على كامل فسيفساء المجتمع، على اختلاف مواقعه. لكننا كنّا مؤمنين بسموّ الرسالة التي نحملها، بعدالة القضايا التي ندافع عنها.<br /> <br /> منذ عشرين عاما، لم أغادر دائرة الصحافة والكتابة. سجنت نفسي فيها؛ هواية ومهنة، وأدرك أنني لن أغادرها عن طيب خاطر، فهذا السجن صار جزءا مني كما أنا جزء منه. كائنان سياميان لن ينفصلا إلا بعملية جراحية كثيرا ما تفشل.<br /> <br /> ستة عشر عاما في عالم الصحافة، ونحو اربعة في رئاسة التحرير، ومسعاي البحث عن الحقيقة والمعلومة ومكابدة نشرها كما جاءت، وفي هذا الإطار انحصرت سيرتي الشخصية ومسيرتي العملية. ورغم وعورة الطريق وطول المسعى لم أكِلّ ولم أمِلّ، وأصبحت اتنشق الصحافة والكتابة كما اتنشق الهواء.<br /> <br /> الصحافة مثل الحياة تماما، خصوصا لمن اقترب من أكمال عقده الثاني في حضرتها، فمن الصعب أن تكون منتصرا في جميع معاركها. هناك معارك يسلمك الفشل فيها إلى القنوط، وتكاد تكفر في إمكانية إحداث فرق في حياة الناس، حتى أنك تغدو أقرب إلى رفع يديك علامة للاستسلام، غير أنك تنتبه إلى أنك صاحب رسالة لا بدّ أن تؤديها، لذلك تنفض عنك قنوطك، وتبدأ، من جديد، تفتش عن معركة أخرى تخوضها لمصلحة المجتمع الذي تنتمي إليه.<br /> <br /> هكذا، نحن معشر الصحافيين العاملين في العالم الثالث. نظل نحلم دائما بعالم فاضل، يأخذ فيه البسطاء حقوقهم الشرعية. عالم لا يحابي الأغنياء، ولا يقف إلى جوارهم ضد المهمشين دافعي الضرائب من دمائهم. نحلم بعالم فاضل لا تلجأ فيه السلطة إلى وأد &quot;أنثى&quot; هذا الزمان: الصحافة.<br /> &nbsp;<br /> يبقى أن أشكر معهد الإعلام الأردني وكل القائمين عليه، لإيمانهم المطلق القائم على قناعات، بضرورة تطوير وتدريب الصحفيين<span dir="LTR">. </span>أشكرهم جميعا لأن جهودهم إن أدرك الطلبة أهدافها، تعني تخريج جيل جديد من الصحفيين والإعلاميين المهرة، يكملون مسيرة إعلاميي الأجيال الحالية الذين بنوا على ما أنجزه سابقوهم<span dir="LTR">.</span></div>