كم من مرة تواصلت مع مهنا الدرة لطرح أفكار أو طلب المساعدة أو الاستشارة أو غيرها؛ وكل مرة كان يردّ ويتجاوب.
حينما كنت أقول له: "أولادي يحبون الفن، لكنهم ما زالوا صغارا...". يأتي رده على الفور: "أرسليهم إليَّ".
حينما كنا بحاجة لجمع التبرعات لصالح معهد الإعلام الأردني، تبرع مهنا - الذي لم يبخل يوماً بفنه أو وقته - بلوحة مكَّنت طالبًا من الحصول على منحة للحصول على درجة الماجستير في برنامج الصحافة والإعلام الحديث، كما أتاحت للمعهد شراء أجهزة كنا بأمس الحاجة إليها.
حينما كنا نُعِدُّ العام الماضي لفعاليات مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم، وكنا حريصين على توفير جائزة تليق حقًا بمكانة الأردن وتكون من إبداع فنان أردني رائد، توجهنا إلى مهنا. تردّد في البداية، قائلاً: "لا أعرف كيف أصنع هذه الأشياء،" ثم تابع: "أنا لا أعرف كيف أرسم السوسنة السوداء!". تواضعه كان ملفتا.
لقد صمَّم مهنا أجمل جائزة برونزية على شكل السوسنة السوداء لمهرجان عمّان السينمائي الدولي، وكأنها جاءت من الحلم؛ تألقت زهرتنا الوطنية بخطوط نقية وكأنها في فصل الربيع حيث تتفتح لمدة ثلاثة أسابيع؛ زهرة انبعث فيها الحياة، فتشعر بمجرد النظر إليها بالإلهام وكأنها مليئة بالضوء. كُنّا في غاية الفخر عندمّا سلّمنا صانعي الأفلام الفائزين جائزة السّوسنة السّوداء من صُنع مهنّا، كيف لا وهي جائزة المركز الأوّل في النسخة الأولى من مهرجان عمّان السينمائي الدولي الذي عُقد في شهر آب الماضي.
كان مهنا درة رائدًا حقًا في كل شيء يفعله، وليس فقط في حركة الفنون الأردنية.
سجله الفني الرائع حافل بالإنجازات، وهو ما يعرفه الكثيرون. فقد طوّر الفنون في بلدنا، بدايةً مع تأسيس معهد الفنون الجميلة في عام 1970، وأدخل إليه الفن التجريدي والفن التكعيبي. كانت الأعمال التي أنجزها على مدى حياته، والتي عُرضت في المتحف الوطني منذ عامين بمناسبة حلول ميلاده الثمانين، غنية ومتميزة، سواء لوحاته الأولى التي تجسد شخصيات بدوية والتي كان بعض منها قد طُبع على الطوابع البريدية أو الأعمال التجريدية، التي قد تبدو مجردة ولكن حين تنظر إليها عن كثب تراها متسمة بعمق وملمس وهي تعزف "سيمفونيات من الألوان" على حدّ قول مهنا. ولابدّ من ذكر المهرجين الذين رسمهم وبعث فيهم الحياة ليكونوا حاضرين في كل مكان حوله. سألته عنهم مرة، فقال ببساطة إنه يحبهم لأنه يشعر بأنهم يمثلون في آن واحد الجانب المرح والآخر المأساوي للبشر.
بإمكاني أن أتحدث عما تعلمه في موسكو وروما وفي كل مكان ذهب إليه، والذي عكس في الواقع ما كان في داخله؛ وأن أتحدث عن لوحاته التي تعبّر عن معرفته وحبه للثقافة وعمقه الداخلي وعن تطويره الفن في الأردن وإثرائه بعلمه العديد من الفنانين المميزين وعن خدمته وطنه ليس فقط كفنان بل أيضاً كسفير.
يمكنكم الاطلاع على كل ما سبق في الأخبار والإنترنت؛ فإنجازاته في كل مكان، حتى في أروقة المستشفى العسكري في عمان، الذي تبرع له بالعديد من الروائع وأعاد ترميم بعضها مجانا لتُدخل البهجة إلى قلوب المرضى وهم يتجولون فيها.
على غرار العديد من أصدقائه، أشعر بالحزن والأسى لفقدانه وأتوجه بخالص العزاء لأسرته، فغيابه خسارة لبلدنا ولمؤسساتنا ولعائلتي ولزوجي ولأطفالي ولي شخصيا.
وعندما أفكر بدوره الرائد في بلدنا الأردن وخارجه، أرى رجلاً يكاد يكون أكبر من الحياة. أصر على أن يبذل كل ما لديه للترويج للفن والثقافة، بما يتجاوز أعماله الفنية التي كانت بحد ذاتها شهادة على عمقه ومعرفته.
كم نحن محظوظون في هذه الأمة أن يكون لدينا فنان عملاق كهذا.
ومع ذلك، أخشى ألا أكون قد أوفيته حقه من الثناء على كل إنجازاته وما كان يمثله للكثيرين. لذا سأركز على إحياء ذكرى الإنسان، الرجل غير التقليدي الذي كان يروي أجمل وألطف القصص وأكثرها تأثيرا بأكثر الأصوات عذوبة بالعربية والإنجليزية والروسية والإيطالية.
وأخيرًا، أود أن أقول له "شكرًا يا مهنا" على إثراء حياتنا كأفراد وبلد.
ريم علي
مؤسس معهد الإعلام الأردني
رئيس مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم